هل يجوز جمع الصلوات بعد توقف المطر بسبب تكدُّس المياه في الطرقات ؟
يسوغ الْجَمْع في مثل هذه الأحوال ، إذ بقاء الماء ووُجود الْوَحَل يُسوِّغ الْجَمْع عند العلماء ، فكيف إذا اختلطت النجاسات مع مياه الأمطار ؟
قال ابن قدامة : والمطر المبيح للجمع هو ما يَبُلّ الثياب وتلحق المشقة بالخروج فيه ، وأما الطلّ والمطر الخفيف الذي لا يَبُلّ الثياب فلا يبيح ، والثلج كالمطر في ذلك ؛ لأنه في معناه وكذلك البَرَد .
فأما الوَحْل بمجرّده ، فقال القاضي : قال أصحابنا : هو عذر ؛ لأن المشقة تلحق بذلك في النعال والثياب كما تلحق بالمطر ، وهو قول مالك .
وذكر أبو الخطاب فيه وجها ثانيا أنه لا يبيح ، وهو مذهب الشافعي وأبو ثور ؛ لأن مشقته دون مشقة المطر ، فإن المطر يبل النعال والثياب ، والوحل لا يبلها ، فلم يصح قياسه عليه ، والأول أصحّ لأن الوَحل يُلَوِّث الثياب والنعال ويَتَعَرَّض الإنسان للزّلق ، فيتأذى نفسه وثيابه ، وذلك أعظم من البلل ، وقد سَاوَى المطر في العذر في ترك الجمعة والجماعة فَدَلّ على تساويهما في المشقة الْمَرْعِيَّة في الْحُكْم .
فأما الريح الشديدة في الليلة المظلمة الباردة ففيها وجهان : أحدهما يبيح الجمع . قال الآمدي : وهو أصح ، وهو قول عمر بن عبد العزيز ؛ لأن ذلك عُذر في الجمعة والجماعة . اهـ .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : يجوز الجمع بين صلاة المغرب والعشاء ، وبين الظهر والعصر عند كثير من العلماء للسفر والمرض ونحو ذلك من الأعذار . اهـ .
وقال الأُبّي : وبالجمع للمطر قال مالك والشافعي وجمهور السلف ، وأباه الحنفية وأهل الظاهر والليث إلا أن مالكاً قَصَر الجمع للمطر في المعروف عنه على المغرب والعشاء ، وعمّمه الشافعي فيهما وفي الظهر والعصر ، وهو ظاهر ما لِمالِك في الموطأ ، وألحق مالك بالمطر اجتماع الطين والظّلمة ، وجاء عنه ذِكر الطين مُفْرَدا . اهـ .
وقال شيخنا الشيخ ابن باز رحمه الله : لا حرج في الْجَمْع بين المغرب والعشاء ولا بين الظهر والعصر ... وهكذا الدَّحض والسيول الجارية في الأسواق لِمَا في ذلك مِن الْمَشَقَّة .
وقال أيضا :
إذا وُجِد العُذر جاز أن يجمع بين الصلاتين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء لعذر وهو المريض ، والمسافر ، وهكذا في المطر الشديد في أصح قولي العلماء ، يجمع بين الظهر والعصر كالمغرب والعشاء ، وبعض أهل العلم يمنع الجمع بين الظهر والعصر في البلد للمطر ونحوه كالدَّحض الذي تحصل به المشقة ، والصواب جواز ذلك كالجمع بين المغرب والعشاء إذا كان المطر أو الدحض شديدا يحصل به المشقة ، فإذا جَمَع بين الظهر والعصر جمع تقديم فلا بأس ، كالمغرب والعشاء ، سواء جمع في أول الوقت أو في وسط الوقت ، المهم إذا كان هناك ما يَشُقّ عليهم بأن كانوا في المسجد وهي المطر الشديد ، والأسواق يَشُقّ عليهم المشي فيها لِمَا فيها من الطين والماء جَمَعُوا ولا بأس ، وإن لم يجمعوا فَلَهم العُذر يُصَلُّون في بيوتهم ، بوجود الأمطار في الأسواق ووجود الطين . اهـ .
ويجوز الْجَمْع في حال الخوف الشديد ، وفي حال المرض الذي يشقّ معه الوصول على المسجد ، أو أداء كل صلاة في وقتها .
قال ابن المنذر : اختلف أهل العلم في جمع المريض بين الصلاتين في الحضر والسفر ، فأباحت طائفة للمريض أن يجمع بين الصلاتين ، وممن رخص في ذلك عطاء بن أبي رباح .
وقال مالك في المريض : إذا كان أرفق به أن يجمع بين الظهر والعصر في وسط وقت الظهر إلا أن يخاف أن يغلب على عقله فيجمع قبل ذلك بعد الزوال ، ويجمع بين المغرب والعشاء عند غيبوبة الشفق إلا أن يخاف أن يغلب على عقله فيجمع قبل ذلك ، وإنما ذلك لصاحب البطن وما أشبهه من المرضى ، أو صاحب العلة الشديدة يكون هذا أرفق به .
وقال الليث : يجمع المريض والمبطون ، وقال أبو حنيفة : يجمع المريض بين الصلاتين كجمع المسافر ، وقال أحمد وإسحاق : يجمع المريض بين الصلاتين .
وقال الترمذي : ورخّص بعض أهل العِلْم من التابعين في الجمع بين الصلاتين للمريض ، وبه يقول أحمد وإسحاق ، وقال بعض أهل العلم يجمع بين الصلاتين في المطر ، وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق ، ولم يَرَ الشافعي للمريض أن يجمع بين الصلاتين . اهـ .
وقال ابن قدامة : والْمَرَض الْمُبِيح للجَمْع هو ما يلحقه به بتأدية كل صلاة في وقتها مَشَقَّة وضعف . قال الأثرم : قيل لأبي عبد الله : المريض يجمع بين الصلاتين ؟ فقال : إني لأرجو له ذلك إذا ضَعُف ، وكان لا يقدر إلاَّ على ذلك . وكذلك يجوز الجمع للمستحاضة ولمن به سلس البول ومن في معناهما . اهـ .
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن صلاة الجمع في المطر بين العشائين ، هل يجوز مِن البَرْد الشديد ؟ أو الريح الشديدة ؟ أم لا يجوز إلاَّ مِن المطر خاصة ؟
فأجاب : الحمد لله رب العالمين . يجوز الجمع بين العشائين للمطر والريح الشديدة الباردة والوحل الشديد ، وهذا أصح قولي العلماء ، وهو ظاهر مذهب أحمد ومالك وغيرهما ، والله أعلم . اهـ .